الحكم النيرات في تنزيل القرآن على سبعة أحرف ( Proposal )
المقدمة
الحِكمَ النيرات في تنزيل القرآن على سبعة أحرف
القرآن هو كلام الله المعجز، ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه بالتواتر، المتعبد بتلاوته، فهو باقٍ ما بقِيت الدنيا، فهو يتحدى كل عوامل الإفناء والفناء، وذلك بحفظ الله له؛ قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. ١
وكان القرآن معجزًا للعرب ذوي الفصاحة والبلاغة، تحداهم فلم يقدر أحد منهم على معارضته، حتى دخلوا في دين الله تعالى، ولقد كان الإعجاز هو أسلوب القرآن ونظمه وبيانه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمِّيًّا لا يقرأ ولا يكتب، وكان حريصًا على حفظ ما ينزل عليه حرصًا جعله يسابق المَلَك، ويعجل بتلاوة ما أنزل عليه، ويحرك به لسانه وشفتيه
وكان صلى الله عليه وسلم يخشى أن ينسى شيئًا من القرآن حتى تعهد اللهُ سبحان وتعالى له بعدم نسيان شيء منه، والقراءات وحي تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل وقرأه الرسول صلى الله عليه وسلم على الصحابة الكرام ونقلت عنه بالتواتر، ومن المعلوم الاعتماد في قراءة القرآن الكريم على التلقي والأخذ عن الثقات والأئمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلف أخذهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من أخذ القرآن عنه بحرف واحد، ومنهم من أخذه عنه بحرفين، ومنهم من زاد ، ثم تفرقوا في البلاد وهو على هذه الحال، فاختلف بسبب ذلك أخذ التابعين عنهم، وأخذ تابعي التابعين عنهم، وهَلُمَّ جرًّا. حتى وصل الأمر على هذا النحو إلى الأئمة القراء الذين سجلوا هذه القراءات ونقلت إلينا في الكتب التي بين أيدينا الآن .
إن في تعلم القراءات بيان فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذلك لأن القارئ يعلم من خلال تعلمه مدى الجهد الذي يبذله لتعلم رواية أو روايتين ، وبذلك فإن كل من حصل هذا العلم يعلم مدى الجهد والمثابرة المطلوبة لإتقانه ، فكيف إذا علمت أن هذه القراءات هي جزء من سبعة الأحرف التي تعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها للأمة ؟.
ومن هذا السؤال بيان فضل الله تعالى على هذه الأمة في تنزيله القرآن بأكثر من حرف ، لأن هذا لايتبين ولايتضح إلا بمعرفة القراءات وممارستها ، ويتبين منه كذلك كيف سهل الله تعالى على كل قبائل العرب تلقيه ونطقه بلهجاتهم دون الانتقال للهجات أخرى تحتاج لتدريب وتمرين.
كما عرفنا لقد بُعِث النبي صلى الله عليه وسلم لجميع الناس باختلاف ألْسِنتهم عكس ما كان عليه الأنبياء السابِقون، فقد كانوا يُبعَثون إلى أقوام معيّنين.
وفي الصحيحين عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَم يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِن الأنبياء قَبْلِي، نُصِرْتُ بالرُّعْب مَسِيرَة شَهْر، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورا، فَأَيُّما رَجُلٌ مِن أُمَّتِي أَدْرَكَتْه الصلاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لِيَ الغنائِم، وَلَم تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيَتُ الشَّفَاعَة، وكان النبي يُبْعثُ إلى قَوْمِه خاصًّة وَبُعِثْتُ إلى الناسِ عامَّة) .
كذلك القرآن الكريم، اُنزِل للناس كافة. مِن المعلوم مِن الدِّين بالضرورة أن القرآن وَحْي ربانِيّ أوْحاه اللهُ عز وجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل الأمين عليه السلام؛ قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}٢ فكان منهم الطفل والعَجوز والشَّيْخ الكبير والرَّجُل الذي لَم يقرأ القرآن قَطّ. والله سبحانه وتعالى أنزل القرآن مُيَسَّرا لا مُضَيَّقًا، فأُمِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأه على سبعة أحرف لكي يسهل على القارِئ قِراءته وفهم معانيه، ولكن يُشْتَرَط في القراءة أن تكون نزل بها الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، معنى ذلك أن لاينفَرِد كُلٌ بِلُغَته ويقرأ ما يريد، لأن القراءات منزَّلة من عند الله عز وجل ومصدرها وَحْي رَبّانِي، لا يجوز أخذها بالقياس أو الاجتهاد في ألفاظ القرآن الكريم، وهي وإن كانت تشتمل على اللغات واللهجات لكن لا يجوز الأخذ ولا القراءة بلهجة أو بِلُغَة إلا بِأثَرٍ ورواية مُسْنَدَة .٣
ومن فائدته : العصمة من الخطأ في النطق بالكلمات القرآنية وصيانتها عن التحريف والتغيير والعلم بما تقرأ به كل من أئمة القراءة التمييز بين ما يقرأ به وما لا يقرأ به.
ولذلك، أشتد بالبحث في معنى الأحرف السبعة وحكمها. وليس المقصود بالأحرف السبعة القِراءات السَّبْع؛ لأن القِراءات السبع بل والقراءات العشر جزء مِن الأحرف السبعة التي أُنْزِلَ بها القرآن الكريم كما ورد في الحديث (إن هذا القرآن أُنْزِلَ على سَبْعَة أَحْرُف فاقرؤوا ما تَيَسَّر منه)؛ أخرجه البخاري وباقي الأئمة الستة سِوَى ابن ماجه.
لقد إتفق العلماء أن القرآن نزل على سبعة أحرف. وأورد بعض النصوص من الأحاديث التي صرحة بحقيقة العدد: فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف"،
عن أُبَيّ بن كَعْب رضي الله عنه قال: "(إن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أَضاة بني غِفار. فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تَقْرَأَ أُمَّتكَ القرآن على حرف، فقال: أسأل اللهَ مُعافاته ومَغْفِرته، وإن أُمَّتِي لا تُطيق ذلك، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على حَرْفَيْنِ، فقال: أسأل الله مُعافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أُمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: أسأل اللهَ معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الرابِعَة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أُمتك على سبعة أحرف، فَأَيُّما حَرْفٍ قَرَؤوا عليه، فَقَد أَصابوا)" .
لكن إختلف العلماء في المفهوم أو المعنى المراد منها على مذاهب متعددة.
المذهب الأول : يري أصحابه أن المراد بالسبعة حقيقة العدد، ولكنهم إختلفوا في تحديد هذه الأحرف.
فمنهم من ذهب أن الأحرف هي اللغات أو اللهجات التي نزل بها القرآن وهي : قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن أو هي لغة قريش وهزيل وتميم وأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر٤ لقول عثمان رضي الله عنه: ( وما اختلفتم أنتم وزيد بلغة قريش فإنه أكثر ما نزل بلسانهم).
ومنهم من ذهب إلى أن الأحرف في الأوجه اللفظية التي نزل بها القرآن، ولكن إختلفوا في تعيينه وحصرها.
ومنهم من ذهب إلى أن الأحرف هي الأوجه المعنوية التي نزل بها القرآن ولكنهم اختلفوا في تعيينها وحصرها:
١. ومنهم من قال بأنها: الحلال والحرام، الأمر والزجر، المحكم والمتشابه، الأمثال. ٢.ومنهم من قال بأنها: الوعد والوعيد، الحلال والحرام، والمواعظ والأمثال والإحتجاج. ٣. ومنهم من قال بأنها: المحكم والمتشابه، الناسخ والمنسوخ والخصوص والعموم
والقصص وهذا الرأي لم ينسب صراحة إلى أحد ممن نقل رأيهم.
ويري أصحاب مذهب الثاني: أن المراد بالسبعة ليس حقيقة العدد وإنما المراد التعدد والكثرة من أجل التيسير والتسهيل والتوسعة. فهم يرون أن القرآن نزل بلغات العرب بأوجه متعددة. وهذا عرض سريع لاختلاف العلماء حول المراد بلأحرف. واختلاف هذه الأوجه في غالبه كان مُمثلاً باختلاف اللهجات العربية ولغات القبائل حين ذاك، وذلك من أجل "التيسير على الأمة الإسلامية؛ فإنها كانت قبائل كثيرة، وكان بينها اختلاف في اللهجات، ونبرات الأصوات، وطريقة الأداء، وشُهرة بعض الألفاظ في بعض المدلولات، على الرغم أنها كانت تجمعها العروبة"
ولعل من الحكمة أيضا " أن يكون ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم على صدق رسالته، حيث ينطق صلى الله عليه وسلم القرآن بهذه الأحرف السبعة، وتلك اللهجات المتعددة، وهو النبي الأمي الذي لا يعرف سوى لهجة قريش"
فهذه هي الحكمة الأساسية التي أخبرنا عنها رسول الله في غير ما حديثٍ ثبَتَ عنه صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يعني ذلك أنها لا تَشتمِل على حِكَم وأسرار أخرى، تكشف عن بديع المعاني القرآنية العظيمة.
وهناك أيضا إختلاف العلماء رحمهم الله تعالى في: أين ومتى كان نزول القراءات؟ هل كان ذلك بمكة قبل الهجرة؟ أم كان نزولها بالمدينة بعد الهجرة النبوية ودخول القبائل العربية المختلِفَة في الإسلام؟
للعلماء في ذلك رأيان: الرأي الأول قال في مكة، والثاني في مدينة.
وقد حاول البعض الجمع بين القولين، بأن بداية نزول القراءات كان مع بداية نزول القرآن الكريم بمكة؛ حيث توجد القراءات في السور المكية، ولكن الحاجة لم تَدْعُ إلى استخدامها لوحدة اللغة واللهجة بمكة وما جاورها، خِلافًا لِمَا حدث بعد الهجرة؛ حيث دخلت في الإسلام قبائل مختَلِفَة اللهجات واللغات.
وكان أول إمام مُعْتَبَر جَمَعَ القراءات في كِتاب هو أبو عُبَيْد القاسٍم بن سلام المتوفي سنة ٢٢٤ هـ؛ حيث أَلَّفَ كِتاب (القراءات) جَمَع فيه قِراءَة خمسة وعشرين قارِئَا، ثُم تلاه كثير مِن العلماء رحمهم اللهُ. أما القرّاء السبعة فهم :نافع المدني، ابن كثير المكي، عاصم الكوفي ،حمزة الزيات الكوفي، الكسائي الكوفي، أبو عمرو بن العلاء البصري، عبد الله بن عامر الشامي. وأقواهم سنداً في القراءة : نافع وعاصم . وأفصحهم : أبو عمرو والكسائي . ويروي عن نافع : ورش وقالون . ويروي عن عاصم : حفص وشعبة .والله أعلم .
وذلك ما يتصل بعلم القراءات. إذن، في هذا البحث العلمي سأبحث في علم القراءات من نواحي الحكم التي فيها تحت الموضوع : " الحِكمَ النيرات في تنزيل القرآن على سبعة أحرف " ،بعد الحديث عن تعريف القراءات ونشأتها ، وأهميتها، وأقسامها وأركانها، والقارئ والمقرئ والقراءة، والرواية، والطريق والوجه وكذلك معني أحرف السبعة. لعل الله أن ينفع به، وأساله سبحانه أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله في ميزان الحسنات، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ب. تحديد مشكلات البحث
ليكون البحث مركزا، أحدد مشكلات البحث حول الأسئلة:
١. ما هو علم القراءات؟
٢. ما المقصود بسبعة أحرف ؟
٣. وما هي الحكمة النيرات في تنزيل القرآن على سبعة أحرف؟
ج. أهداف البحث
أما الأهداف من هذا البحث فهي:
١. التعريف بسبعة أحرف
٢. محاولة الكشف عن الحكمة النيرات في تنزيل القرآن على سبعة أحرف
د. منهج البحث
والمنهج الذي أستخدمه في هذا البحث العلمي هو المنهج المكتبي بحيث أرجع إليى المصادر والمراجع المتعلقة بموضوع البحث وتضاف إلي ذلك الكتب الأخري التي علاقتها بالبحث. وأما كيفية البحث فقد أعتمد علي كتب " كيف تكتب بحثا أو رسالة" الذي كتبه الدكتور أحمد شبلي، دراسة منهجية وإعداد رسائل والماجستير والدكتوراه، وكذلك الكتاب الذي أصدرته جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية جاكرتا. تحت عنوان:
“Pedoman Penulisan Skrisi, Tesis, Disertasi UIN Syarif Hidayatullah Jakarta”
و. تنظيم البحث
تسهيلا لإعداد هذا البحث قسمت محتويات البحث إلي أبواب وهي كما يلي:
الباب الأول : مقدمة وتتضمن خلفية البحث، تحديد مشكلاته، أهدافه، منهجه، وتنظيمه.
الباب اثاني : لمحة علم القراءات وتشتمل على: تعريف القراءات ونشأتها وأهميتها وأقسامها
وأركانها، والقارئ والمقرئ والقراءة، والرواية، والطريق والوجه.
الباب الثالث : معنى الأحرف السبعة وما اشتملت عليها من الحكمة في تنزيل القرآن على
سبعة أحرف
الباب الرابع : الخاتمة وتحتوي على النتائج والإقتراحات
Komentar
Posting Komentar